يوجد في اليمن..أكبر متحف تاريخي في العالم

 

 استطلاع - عادل احمد علي 

بالقرب من مدخل بوابة " باب اليمن " الأثرية البوابة الرئيسية  وأشهر البوابات السبع لمدينة صنعاء القديمة حاضرة اليمن التاريخية افترشت امرأة مسنة الأرض المرصوفة بأحجار "الجرانيت" قبيل أن تخرج بحرص لفافة مخملية وتضعها أمامها وتبدأ في عرض بضاعتها القيمة على الوافدين إلى المدينة والتي تحتوى على مجموعة من الخواتم المتفاوتة الأحجام والمزدانة بافصاص متباينة الألوان من "العقيق اليماني" وهي أحد المقتنيات المتميزة التي تنفرد المدينة الأثرية  بتقديمها للزوار مقابل أسعار متفاوتة  .

جولة استثنائية عبر الزمن:

 الدخول إلى مدينة صنعاء القديمة يمنح الزائر فرصة الانطلاق في جولة استثنائية عبر الزمن  للتعرف عن كثب على   مكتنزات أثرية ينفرد بها أكبر متحف تاريخي في العالم والذي يعد الوحيد الذي يمتلك سبع بوابات أثرية تمثل منافذ مباشرة للوصول اليه وهي  "باب اليمن" وهي البوابة الأشهر وباب السباح و باب عامر و باب البلقة و باب شعوب و باب القاع و باب السلام".

أول منطقة تجارية  نشطة :

تجاوز البوابة الرئيسية للمدينة الأثرية ببضعة أمتار يضع الزائر في مواجهة أول منطقة تجارية نشطة بصنعاء القديمة  والمتمثلة في "سوق الملح " الذي يعد من أشهر أسواق المدينة القديمة البالغ عددها "30" سوقا المكتظة ويمتد شمالاً ليصل إلى قلب المدينة ويتكون من دكاكين صغيرة تصطف بشكل منظم ومتسق  مع التقسيم الداخلي للسوق الذي يتسم بالتخصص في عرض السلع فكل مكان مخصص لسلعة معينة أو لمجموعة من السلع المتجانسة  ومعظم التجار في هذا السوق من سكان المدينة القديمة الذين يتنافسون في اجتذاب الوافدين الأجانب من السياح وعرض سلع معينة تحظى بتداول واسع في أوساطهم من أبرزها  المصنوعات اليدوية المختلفة والتحف والحلي والمصوغات الفضية المتميزة .

"سمسرة النحاس " :

 بالخروج من صخب وأروقة "سوق الملح " تنتصب  "سمسرة النحاس" اشهر "سماسر" المدينة  التي تم افتتاحها مجددا في 19 مارس من العام 1988 بعد إعادة ترميمها،لتصبح مشغلاً تعليمياً وسوقاً لبيع المصنوعات اليدوية في هيئة مبني قديم مكون من ثلاثة طوابق يحتوى كل طابق على مجموعة من "الدكاكين" الصغيرة التي تتنافس في استقطاب السياح الأجانب الراغبين في الحصول على مقتنيات نوعية ومتميزة بدقة صناعتها وبطابعها الأثري  حيث تنفرد  "سمسرة النحاس" ببيع "المصنوعات اليدوية القديمة " بأسعار مرتفعة وهو السبب الذي جعل معظم مرتاديها من السياح الأجانب .

 الجامع الكبير ..مدرسة المذاهب المتعاقبة:

إلى الغرب من سمسرة النحاس يقع "الجامع الكبير" أحد أشهر وأبرز المعالم الأثرية بالمدينة القديمة والذي تم تشييده على عدة  مراحل و لم يُبنَ الجناح الشرقي للجامع إلا في عهد الدولة الصليحية وتحديدا في حقبة ولاية الملكة "أروى بنت أحمد الصليحي" وكان قبلها على شكل "حدوة حصان".

ينفرد الجامع الكبير بصنعاء القديمة عن غيره من المساجد بعبقه الخاص فهو مدرسة المذاهب التي تعاقبت، سواء المذاهب السنية أو المذهب الهادوي ويرتاد المسجد الكثير من الناس سواء لأداء الصلوات أو تلاوة القرآن من مصاحفه الكريمة المميزة بحجمها الكبير أو الحصول على "فتاوى" شرعية من العلماء والفقهاء ومعظمهم من كبار السن  الذين يتواجدون بالمسجد بشكل مستمر ، كما يمتلك المسجد الأثري ثلاث مكتبات تتمثل في المكتبة الشرقية، التى شيدت فى عهد الإمام يحى حميد الدين (1904 - 1948) لجمع المخطوطات المبعثرة فى خزائن كتب الوقف بصنعاء، وقد ضمت إليها خزانة كتبه المعروفة باسم (الخزانة المتوكلية) والمكتبة الغربية، وهى المكتبة الثانية من حيث التأسيس، وقد خصصت لمخطوطات وكتب الهيئة العامه للآثار ودور الكتب فيما تقع المكتبة الرئيسية الحديثة في الجنوب الغربى من الجامع وهى خارجة عنه وملاصقة له وتتكون من ثلاثة طوابق تم بناؤها سنة 1984  وتحتوى هذه المكتبة على ما يزيد عن عدد(7000) مخطوط أثري فيما يبلغ عدد الكتب التى أحصاها فهرس المكتبة (4357) مخطوطا يضاف إليها المصاحف والكتب التى اقتنتها المكتبة بعد صدوره.

قصور صنعاء القديمة:

التجوال في الأزقة المتفاوتة الاتساع والمرصوفة بأحجار "الجرانيب" المتسقة مع النمط المعماري القديم للمدينة يمثل فرصة للوقوف عن كثب على أبرز المعالم التاريخية في مدينة صنعاء القديمة والمتمثلة في المنازل والقصور الأثرية التي تصطف في انتظام على جانبي الأزقة التي تمثل ممرات وطرق عبور ضيقة نسبيا لاتتسع لمرور عربات أو شاحنات ومخصصة لحركة  تنقلات الأفراد سواء من سكان المدينة أو الوافدين   .

تراث إنساني عالمي :

تمتد مدينة صنعاء القديمة على مساحة تقدر بنحو 25 كيلومتراً مربعاً وعلى هذه المساحة يتوزع 14 ألف منزل متجاورة ومتلاصقة يتخللها بساتين ويضمها سور يمتد بطول 6200 متر وارتفاع 8 أمتار  يلف المدينة بشكل متعرج وكانت اليونسكو أدرجت المدينة عام 1986 في قائمة التراث العالمي كتراث إنساني كونها تعد واحدة من اكبر مدن العالم القديم التي لا تزال قائمة وقد صنفت كإحدى أكثر عواصم العالم القديم تميزا بطابعها المعماري الفريد الذي جعل منها درة من درر التراث الإنساني والعالمي.

وفي كتابه الذائع الصيت صفة جزيرة العرب يشير بديع الزمان ابو الحسن الهمداني إلى ان المدينة أسست على يد سام بن نوح علية السلام اما" باولو كوستا "العالم والمستشرق الإيطالي فالمح في مطالعاته التي جمعها مستندا الى النقوش والمصادر التاريخية إلى ان المدينة قد عرفت منذ ما يزيد عن 2500 سنه.

 طابع معماري متفرد :

تنفرد قصور المدينة الأثرية بطابعها المعماري المميز والموحد من الخارج والاتساق المذهل في تصاميمها من الداخل حيث تجمع هذه القصور بين القيم الفنية والجمالية الأخاذة وكذا توفير الأغراض الإيوائية والانتفاعية الملبية لطبيعة الأنشطة للأسرة اليمنية التي هي في الغالب الأعم أسرة ممتدة ولهذا تميز البيت اليمني القديم عامة والصنعاني خاصة بطوله وتعدد طبقاته وغرفه ومخازنه وإسطبلاته .

ويتفاوت عدد طبقات قصور صنعاء القديمة بين ثلاثة إلى ستة طوابق وفي بعض الحالات يصل إلى ثماني أو تسع طبقات تبعا لمكانة مالكه ووضعه الاجتماعي والسياسي وأحيانا الاقتصادي ومن أبرز مظاهر الاتساق في تكوينات هذه القصور الأثرية الداخلية تخصيص أعلى غرفة "كطرمانات" وهي المكان المخصص للقيلة " وتشيد بتصميم معماري  يجعل رأس المبنى مدبباً. حيث تبدو هذه الطيرمانات كأنياب الكلاب" وصدق الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم عندما أراه الله صنعاء من مكانه في الخندق فروى للصحابة ما شاهده قائلا "رأيت قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب".

اتساق مذهل:  

منازل وقصور المدينة متشابهة إلى درجة كبيرة في تقسيماتها وتخطيطها وبحسب العديد من الدراسات التي اهتمت بالوقوف على الطابع المعماري في صنعاء القديمة فإن البنايات المشيدة داخل سور المدينة القديمة بقدمها وتخطيطها قد روعي فيها مواصفات هندسية وإيوائية وجمالية تفوق ما وصلت إليه الهندسة المعمارية الحديثة والبعد الجمالي لم يراع فقط داخل البيت وخارجه بل وفي المحيط الجغرافي للحي فقد كان لكل حي من أحياء صنعاء القديمة بستان خاص به يرتاده سكان الحي وزائروه ويتنزهون به فضلا عن تأمينه للخضراوات المنزلية حيث قدر عدد البساتين داخل المدينة القديمة باثني عشر بستانا أضفت على المدينة جمالا لافتا .

تداعيات استثنائية :

فرضت الاضطرابات التي تشهدها اليمن منذ العام 2011م وحالة عدم الاستقرار السياسي واحتدام الخلافات بين الأطراف اليمنية ودخول البلاد في أتون حرب لاتزال مستمرة منذ سبع سنوات تداعيات قاتمة على كافة مظاهر الحياة العامة في مدينة صنعاء القديمة وبخاصة الأنشطة التجارية والسياحية التي امتازت بها المدينة عن سائر المدن الأثرية اليمنية الأخرى حيث توقف بشكل قسري توافد السياح الأجانب وفقدت الأسواق الحرفية المتخصصة في صناعة المقتنيات والسلع التقليدية واليدوية الشريحة الأهم من الزبائن الذين يملكون القدرة الشرائية لاقتناء منتجات نوعية مرتفعة الثمن .

التجوال في أسواق المدينة القديمة كسوق "الحدادة" مثلا  الذي يعد من أشهر الأسواق الشعبية  المتخصصة في صناعة الأنواع المختلفة من المعدات الزراعية مثل المحاريث والفؤوس والمجارف وسلاسل المحاريث وأوتاد الخيام ومواقد الفحم وغيرها..يكشف بجلاء فداحة التداعيات التي افرزتها الظروف الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلاد حيث يعاني هذا السوق وغيرة من اسواق المدينة الأثرية  حالة غير مسبوقة من الكساد جراء  تراجع الطلب على المنتجات الحرفية الذي لم ينحصر على الأسواق التي تعتمد على حركة توافد السياح الأجانب بل أمتد إلى الأسواق المتخصصة في صناعة منتجات وسلع تواكب الاحتياجات المحلية ويرتادها زبائن اغلبهم من المواطنيين اليمنيين المشتغلين في مجالات الزراعة وذلك بسبب تردي الأوضاع المعيشية والقدرات الشرائية المحدودة .

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات