من الإنقاذ إلى الإقصاء.. كيف تُذبح مجموعة الشيباني على أيدي الفساد وصراع النفوذ في تعز؟"

 


المشهد الأخير - تعز

من حافة الإفلاس إلى قمة الإنتاج، وصولًا إلى طرق ملتوية وإقصاء غير قانوني لرجل شكل خلال العقود السابقة نقطة الانطلاق وسر النهضة.. هكذا تدرجت الأحداث في مجموعة مصانع الشيباني، التي كانت على وشك الانهيار الكامل، وتلفظ أنفاسها الأخيرة تحت وطأة الفوضى والشلل الإداري.

ففي العام 2005، نهض أبوبكر الشيباني بالثلاث الشركات "الفردوس، كميكو، التكامل"، وانتشل هذه المصانع المنتجة من أزمة الإفلاس، واستلم دفة الإدارة بعزيمة رجل يرفض ترك إرث والده ينهار، حيث بدأ رحلة الإنقاذ، وأعاد عجلة الإنتاج، وبالمقابل أعاد الثقة للأسواق، ووسع الانتشار المحلي والخارجي، حتى ارتفعت سمعة المجموعة من جديد، وتدفقت الإيرادات، وارتفعت أعداد العمال إلى آلاف الأشخاص.

لكن ما لم يكن في الحسبان، أن الطعنة ستأتي من الداخل، من إخوةٍ اختاروا طريق التحايل والانقضاض على الإدارة المهنية لصالح صراعات عائلية ونفوذ مستتر، وعلى الرغم من الأحكام القضائية النهائية التي قضت بإعادة الحق إلى نصابه، إلا أن سلطات تعز المحلية والأمنية والعسكرية اختارت أن تكون طرفاً في الخصومة، للوقوف بوجه العدالة، والإمتناع عن تنفيذ القرارات، وكأن القانون خيارٌ يُطبق بما يتناسب مع مصالح هؤلاء النافذين.

اليوم تتعرض مجموعة مصانع الشيباني والتي تعد من أكبر المجموعات الصناعية الوطنية للتدمير المُمنهج، لا من قبل خصوم خارجيين، بل من الداخل؛ وبتماهي وتقاعس بعض السلطات المحلية والأمنية، والتي تحاول فرض نفسها كوكيل وحارس لهذه المصانع، فالأمر بات أكثر عشوائية والمصانع تخسر سمعتها وتخسر ملايين الأرباح وتفقد أيضًا جودة منتجاتها بسبب فوضى الإدارة الغير شرعية.

في السنوات الأخيرة، احتدم الخلاف بين المؤسس الحاج أحمد عبد الله الشيباني، الذي بلغ من العمر عتيًّا، ويُعاني من تدهور صحّي خطير، وبين أبنائه الذين تولوا إدارة المصانع لسنوات طويلة، وعلى رأسهم المدير التنفيذي للمجموعة أبوبكر الشيباني. هذا الأخير مثَّل لسنوات الواجهة المهنية للمجموعة، حيث قاد عمليات التحديث والتطوير والتوسعة، واستطاع أن يحافظ على مئات فرص العمل في مدينة تشهد انهيارًا شبه كلي للاقتصاد.

لكن ما حدث لاحقًا لا يُصدق، فقد تدخّلت أطراف عائلية ضيقة، مدفوعة بالمال والنفوذ، وبدأت تُحرك "الشيباني الأب" وتفرض عليه 

عزلة إجبارية ومنعًا تامًا للقاءات به، في سبيل احتكاره واستخدام تواجده لصالحهم الشخصي والسيطرة على الشركات.. وساهم بعض أبنائه في تحريضه ضد المدير الشرعي للشركات "أبوبكر الشيباني" وقاموا بالالتفاف من خلال إجبار الأب على توكيلهم، وإصدار قرارات بالإقالة للمدير الفعلي "أبو بكر"، وغيرها من تعليمات الطرد والتخريب، دون أن يعي الأب ما يُقال له أو يُكتب باسمه.

ورغم أن القضاء حسم النزاع في أكثر من مرة، وأصدر أوامر قضائية باتة تُلزم بإعادة المصانع إلى إدارتها القانونية والشرعية ممثلة بأبوبكر الشيباني، إلا أن تلك الأحكام وُئدت في أدراج السلطة المحلية بتعز، وداخل مكاتب قادة السلطات الأمنية والعسكرية، وأحيانًا تحت طاولات بعض القضاة.

يتساءل كثيرون من أبناء تعز لماذا لم تُنفّذ أحكام القضاء؟ وببساطة يبدو أن الحقيقة المؤلمة،  لأن المصالح أكبر من القانون بنظر أصحاب القرار الأول، فبقاء الوضع الراهن، واستمرار العبث والنهب والشللية، يُدرّ على بعض الأطراف النافذة مئات الآلاف من الدولارات شهريًا، بحسب مصادر موثوقة داخل المجموعة.

قيادات عسكرية وأمنية وبعض مسؤولين في السلطة المحلية بتعز تقف اليوم سدًا منيعًا أمام تنفيذ الأحكام القضائية، وتمنع بشكل مباشر وغير مباشر تسليم المصانع لقيادتها المهنية، في سلوك يضرب بالقانون عرض الحائط.

بل إن بعض تلك القيادات كانت تذهب حد التنسيق مع أطراف أعلنت نفسها مؤخرًا "وكلاء" للمؤسس، رغم أن الرجل قد خرج تمامًا من الوعي والإدراك، حسب تقارير طبية مسرّبة وشهادات مقربين، وهو ما يوسع فجوة الصراع والمستفيد الوحيد هم النافذين.

اليوم، تُواجه مصانع مجموعة الشيباني خطر التوقف الكامل، ويبدو أن أكثر من 4 آلاف عامل وموظف في مدينة تعز مهددون بالتسريح، والمنتجات الوطنية التي كانت تُفاخر بها تعز وتوزع على نطاق اليمن بدأت تختفي من الأسواق، بسبب غياب الإدارة وتخبط المتنفذين.

إلى جانب ذلك، فإن بعض خطوط الإنتاج متوقفة، رأس المال يُبعثر بقرارات مرتجلة، والمخازن تُدار بعيدًا عن الأنظمة الداخلية للمجموعة. والسبب؟ لأن الأبناء المنتحلين صفة الإدارة يريدون المصانع واحتكارها لصالحهم الشخصي فحسب.

المؤسف أن كل هذا يحدث في ظل صمت الجهات المعنية وتخاذل السلطات القضائية، فبعض القضاة تورطوا في إصدار قرارات متناقضة بين تعز وعدن، عززت حالة الانقسام، وأبقت المصانع في حالة موت سريري. وفي الوقت الذي يُقاتل فيه المدير الشرعي أبوبكر الشيباني لاستعادة السيطرة على المصانع وحمايتها من الانهيار، يُحارب من كل الجهات.

لا شيء يُفسر ما يجري سوى طمع السلطة والنفوذ والمال، الأمر الذي يجعل مجموعة الشيباني تُذبح من الوريد إلى الوريد، ومَن يُفترض بهم أن يكونوا حُماة القانون صاروا شركاء في الجريمة... هل يُعقل أن تُقتل مؤسسة وطنية فقط لأن أطرافًا نافذة لا تريد خسارة أرباحها غير المشروعة؟.

كثيرون يرون أن أبوبكر الشيباني يُمثّل ما تبقى من المهنية في هذه المجموعة، وإذا سقط هو، سيسقط معه حلم آلاف العائلات، وستُضاف مجموعة الشيباني إلى قائمة المؤسسات التي دُمرت بفعل تقاعس السلطات وجشع النافذين.. ومن هذا المنطلق يطالب أبناء تعز بسرعة تنفيذ القرارات القضائية الصادرة عن المحكمة الإدارية الابتدائية بمحافظة عدن، والتي قضت بتمكين الإدارة الشرعية ممثلة بأبوبكر الشيباني من إدارة المصانع، ووقف أي تدخل أو استيلاء غير قانوني تحت أي مسمى.

فالتمادي في خرق القانون، وتجاهل الأحكام القضائية النافذة، لا يُهدد فقط استقرار شركة أو مستقبل موظفيها، بل يُعمّق الشعور العام بأن تعز مدينة عشوائية وتغيب فيها مؤسسات الدولة، وبأن مؤسساتها رهينة صراعات النفوذ والمصالح الضيقة، ويؤكدون أن استمرار هذه الفوضى، قد يجعل في قادم الأيام كل شركة ناجحة هدفاً مشروعاً لعصابات النهب المقنّن.

تدمير الاقتصاد

ما يجري داخل مجموعة الشيباني لا يمكن قراءته فقط كصراع عائلي على السلطة والإدارة، بل كأحد أكثر الأمثلة فداحة على كيف يُمكن للنفوذ غير المشروع، والتداخل الفاسد بين السلطة والعائلة، أن يُدمّر ما تبقى من جسد الاقتصاد اليمني؛ فهذه المجموعة، التي كانت تُعد نموذجًا للنجاح المحلي والمنافسة الوطنية، أصبحت اليوم نموذجًا للفشل المؤسسي والانهيار المدفوع بالصراع السلطوي.

في مدينة تبحث عن أي بصيص أمل للنهوض من تحت أنقاض الحرب والحصار الحوثي، يُمثّل استمرار هذه الفوضى القضائية والإدارية والسلطوية ضربة مباشرة لثقة المستثمرين، سواء المحليين أو المغتربين أو حتى الجهات الدولية.. كيف يمكن لمستثمر أن يغامر في بيئة لا تحترم أحكام القضاء، وتُدار فيها الشركات بقرارات مرتجلة، وتُستباح فيها المصانع من قِبل نافذين تحت ستار "الوكالة" أو الحماية؟

وبحسب مراقبين فإن أخطر ما في هذه الأزمة أنها تُرسّخ واقعًا بأن الدولة اليمنية، أو ما تبقى منها، لم تعد قادرة على حماية الاستثمارات أو إنفاذ القانون، بل إن بعض أجهزتها أصبحت خصمًا مباشرًا للاستثمار والإنتاج، تتحالف مع الفوضى لتحقيق مصالح آنية لأفراد متنفذين.. والنتيجة ليست فقط خسائر مالية، بل تدمير للثقة في إمكانية التعافي الاقتصادي.

تحوّل القيادات الأمنية والعسكرية بتعز إلى أوصياء على الشركات، يُضعف الثقة بمؤسسات الدولة، ويعزز مناخ الفوضى، ويؤسس لثقافة "الاستيلاء المشروع"، حيث القوة تسبق العدالة، والنفوذ أقوى من النظام، وهذا كله يدفع برؤوس الأموال إلى الهروب أو التجميد، ويضرب ما تبقى من بيئة الأعمال في تعز.. وفي حال لم يتم تدارك هذا المسار، فإن المؤسسات الصناعية الكبرى الأخرى ستجد نفسها مستهدفة، والمستثمرون سيهربون بما تبقى من رؤوس أموالهم إلى خارج البلاد، تاركين وراءهم قطاعًا خاصًا مدمّرًا، واقتصادًا مفرغًا من أي أمل بالاستقرار أو النمو.


إرسال تعليق

0 تعليقات